وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ -- \\ الدعوة الى الله واجبنا \\ الدعوة الى الإسلام مسؤوليتنا \\ الدعوة الى الحق والعدل طريقنا \\ الدعوة الى وحدة الأمة منهجنا     .
الجمعة-- 2024-04-26
حزب الدعوة الإسلامية - محافظة البصرة
قائمة الموقع
مواقع صديقة
  • موقع حزب الدعوة الرسمي
  • إحصائية

    المتواجدون الآن: 1
    زوار: 1
    مستخدمين: 0
    طريقة الدخول
    الرئيسية » الكتب » مقالات وبحوث اسلامية

    منظومة وبيئة الامام محمد باقر الصدر المعرفية
    2013-05-15, 10:11 PM


    حسين علاوي

    لاشك ان الامام محمد باقر الصدر مشروع فكري راهنت الامة به على مسقتبلها.. ومرجع انساقت معه حينما احست الوعي متجسدا به يحطم كثافة الظلام الذي راكمته قراءات ناقصة للواقع الإسلامي والدين.. قراءات زيفت الوعي وحاصرت الدين وقذفت بالمشروع الإسلامي في زاوية الانكفاء على الذات والانسحاب من مسرح الحياة لصالح ترسبات قارة في الوعي.. تستدعي باستمرار المنجز الفكري دون ان تلاحظ تاريخيته فلا يستجيب للواقع المتطور ولا يلبي حاجات الانسان المتجددة.. بينما كان للامام الصدر من التراث موقف مغاير للمألوف، فقد استدعى مكوناته وحلل بنيته.. واستبعد كل ما هو تاريخي انتجته المرحلة استجابة لظروفها الضاغطة.. وابقى العناصر الصالحة لبناء حاضر إسلامي زاخر بالمنجزات على صعيد الفرد والمجتمع والمستقبل يستجيب لطموحات الرسالة الإسلامية في سيادة القيم الإسلامية.. ولهذا انتقل الفكر الإسلامي على يده نقلة نوعية اهلته لدخول الواقع بكفاءة عالية.
    وهذا التحول احدثه الامام الصدر بفعل رصانة المنهج وقوة الادوات.. فكانت الخطوة الاولى في مشروعه هي نقد الذات وتعريتها دون التنكر لها.. وتقويمها بعيدا عن التضخيم والاختزال وانما تحرى الموضوعية وعالج نقاط الضعف بعد تشخيصها.. ولم يستعن بمنهج من خارج فضائه الثقافي كما فعل بعض المتغربين فاخطأوا في تشخيص الواقع.. بل توافر على منهج سليم ينتمي الى نفس البيئة التي ينتمي اليها الامام الصدر.. واستعار اقوى االدوات المعرفية لتنفيذ مشروعه.. فكان على درجة عالية من الثقة بالنفس ينقد ويفكر وينظر لا يخشى الممنوع ولا يتهيب من نقد الذات وانما يعتبره ضرورة ملحة لاكتشاف الاخطاء وخطوة على طرق التجديد.. يقول في نقد الذات: الاستصحاب الذي قرأناه في علم الاصول طبقناه على اساليب العمل، وطبقناه على حياتنا، فكنا نتجه دائما الى ما كان ولا نفكر ابدا في انه هل بالامكان ان يكون افضل مما كان..؟ لابد لنا من ان نتحرر من النزعة الاستصحابية، ومن نزعة التمسك بما كان حرفيا بالنسبة الى كل اساليب العمل.. هذه النزعة التي تبلغ القمة عند بعضنا حتى ان كتابا درسيا مثلا اذا اريد تغييره بكتاب اخر في مجال التدريس يقال لا ليس الامر هكذا الا من الوقوف، لابد من الثبات والاستمرار على نفس الكتاب، الذي كان يدرس فيه الشيخ الانصاري او المحقق القمي.. هذه النزعة الاستصحابية التي تجعلنا دائما نعي مع امة قد مضى وقتها مع امة قد ماتت وانتهت بظروفها وملابساتها.. تجعلنا نعي باساليب كانت منسجمة مع امة لم يبق منها احد.. وقد انتهت وحدثت امة اخرى ذات افكار اخرى.. ذات اتجاهات اخرى.. ذات ظروف وملابسات اخرى..
    ولم يتخل الامام الصدر وهو فقيه كبير ومجتهد ذو فكر هام يحيط احاطة تامة بقواعد الاستنباط وبالاراء الفقهية.. لم يتخل من رسالته بحجة ان تحت ايدينا ذخيرة فقهية ثره.. بل انه ومن خلال جهوده الفكرية وابداعاته في الذود عن الإسلام والبرهنة على قدرة هذا الدين على ادارة الحياة.. استطاع ان يلفت اليه الانظار بوصفه احد باحثي الديانة المتنورين في عصرنا الحاضر وفي تاريخ الفكر الإسلامي.. فعلى صعيد علم الكلام قدم الامام الصدر نظرية جديدة في الاستدلال على اصول الدين استبعدت المنهج القديم في الاستدلال واستخدمت منهجا اخر يناسب مستوى التطور الذي رقى له العقل.. وانتقلت بالفكر العقيدي من عالم التجربة الى مخاضات الواقع التي تنغص حياة الانسان كل يوم..
    وعلى صعيد التفسير قدم الامام الصدر اطروحة التفسير الموضوعي استجابة للظروف الإجتماعية والسياسية في المرحلة الراهنة.. وهذا النمط من التفسير حديث العهد في الساحة الفكرية الإسلامية بينما ساد التفسير التجزيئي مناهج المفسرين.. ويسجل الامام الصدر على الفهم التجزيئي للاآيات انه: يقف دائما عند حدود فهم هذا الجزء او ذاك من النص القرآني ولا يتجاوز ذلك غالبا.. دون ان يكشف اوجه الارتباط.. دون ان نكتشف التركيب العضوي لهذه المجاميع مع الافكار.. دون ان نحدد في نهاية المطاف نظرية قرآنية لكل مجال في مجالات الحياة.. وفي حقل الفلسفة فقد الف رسالة في المنطق في سن مبكر جدا.. سجل فيها جملة ملاحظات على القضايا المنطقية.. بينما كان له في مجال الفلسفة اكثر من عمل ناقش فيها مسار الفلسفة الاوربية.. وانتقد اسس المادية الجدلية.. وقدم رؤية جديدة عن الفلسفة الإسلامية بعد درس اتجاهات الفلسفة الاوربية منذ عصر الاغريق.. وعندما اتجه لدراسة الاساس المنطقي لتكوين العلم قدم نظرية في تفسير حساب الاحتمال بعد ان عالج اخطاء التفكير الغربي في تفسيرها.. وقد وضف هذه النظرية في مجالات متعددة.. كما نجح في وضع اسس فهم نظرية المعرفة البشرية عندما اكتشف المذهب الذاتي للمعرفة.. وثار على نظرية القيام الارسطية.. وحدد التناقضات والاخطاء في الفلسفة الماركسية والوجودية.. ويبقى اصول الفقه دائرة تخصصه كعالم دين ينتمي الى بيئة علمية يمثل اصول الفقه احد العلوم الاساسية فيها.. فكانت اسهاماته واسعة في تطوير ارائه ونظرياته بعد ان استوعب تراث اسلافه ومارس النقد على مبانيه واسسه..
    وتطور الفقه على يد الامام الصدر وارتقى الى القمة حينما تحرك الاستدلال لديه نحو فقه النظرية وهو شيء لم يسبقه فيه احد من الفقهاء.. فافرز هذا الجهد العلمي صياغة نظرية في الاقتصاد الإسلامي.. واطروحة البنك اللاربوي في الإسلام.. وبعد ان انتشرت الكثير من الاحزاب العلمانية في عالمنا العربي والإسلامي.. وكانت خيبة الشباب المؤمن كبيرة لعدم وجود فكر حركي منظم يلبي طموحاته امام الافكار الوافدة.. فاسس الامام الصدر حزب إسلامي اطلق عليه (حزب الدعوة الإسلامية).. فوضع له الاسس ورسم المنهج.. فانضمت اليه اعداد كبيرة من طلبة الحوزة العلمية.. ومن طلاب الجامعات والنخب المثقفة.. والاوساط الشعبية.. فصنع مرحلة جديدة للنشاط السياسي الإسلامي وعودة الروح للوعي الديني الذي اشرق بالإسلام الحركي والفكر الديني الواعي..
    وتحت ظلاله تفجر ينبوغ العمل الحركي النسوي فكانت امنة الصدر بنت الهدى.. رائدته.. وينبوعه الذي يزخر بالعطاء والتضحيات.. واما على مستوى المرجعية الدينية.. فقد قدم الامام الصدر اطروحة نظرية (المرجعية الصالحة او الرشيدة) كان يطمح لتطبيقها بغية انتشال المرجعية الدينية من الطابع الشخصي وتحويلها الى مؤسسة ترعى شؤونها الادارية والمالية والتبليغية.. وتعمل ضمن ضوابط وموازين تؤكد صدقيتها في الوسط الإجتماعي من خلال نخبة مثقفة بعيدا عن الحواشي.. وتنتهي حالة الفوضى والتلاعب والاستئثار بالاموال والامكانيات بعد موت المرجع.. وفق مقاييس لا تنتمي الى الشريعة الإسلامية.. وتجافي تعاليم القرآن والسنة الشريفة.. وتكرس الطبقية والفوارق الإجتماعية.. لكل ذلك باسم المرجعية.. بينما هي عملية سطو سافرة وممارسات قد لا يعلم عنها المرجع شيئا.. لان سعة اعماله وكثافة نشاطاته ربما لا تسمح له بالتدخل المباشر.. او ربما لا يعي حجم السلبيات التي تفرزها.. فكان الامام الصدر يعي دور المرجعية ويشخص ثغراتها الادارية والمالية والسياسية.. فكانت اطروحة جديدة تضع المرجعية امام مسؤولياتها والتزاماتها امام الشرع والناس..
    اما بيئته وولادته ونبوغه الفكري.. فقد ابصر الامام الصدر النور في عام 1934 في مدينة الكاظمية ببغداد لاسرة علمية عريقة من جهة الاب والام.. فقد كان ابوه السيد حيدر بن اسماعيل الصدر سليل اباء اشتهروا في الحوزات العلمية بالعطاء الفكري الوفير.. وصفه الشيخ الطهراني في كتابه نقباء البشر وبانه كان غزير العلم كثير الفضل.. وكان دائم الاشتغال كثير المذاكرة.. فلما دخل مجلسا لاهل الفضل ولم يفت بابا للمذاكرة والبحث العلمي.. وكان محمود السيرة حسن الاخلاق محبوبا عند عارفيه.. كما وصفه السيد عبد الحسين شرف الدين في مجلة الضيف العدد الثالث.. بانه كان من ذوي العقول الوافرة والاحلام الراجحة والاذهان الصافية.. وكان وهو مراهق او في اوائل بلوغه لا يسير غوره ولا تفتح العين عل مثله في سنه.. يقبل على العلم بقلبه وفراسته.. وما رأت عيني مثله في هذه الخصيصة.. اما والدة الامام الصدر فهي ابنة الفقيه الشيخ عبد الحسين ال ياسين الذي اصبح ابناؤه الثلاثة الشيخ محمد رضا والشيخ راضي والشيخ مرتضى من الفقهاء اللامعين.. واسرة ال ياسين اسرة عريقة بالعلم وانجاب العلماء.. وام الصدر سليلة هذه الاسرة العلمية.. غرست في هذه التربة وترعرعت في أفياء التقوى والفقاهة..
    هذا المحيط الاسري الذي فتح عينه في فضائه الصدر وهو وان فقد اباه في فترة مبكرة من حياته.. الا انه تربى بكنف امه العالمة الصالحة واخيه الاكبر اسماعيل.. فكان لاحتضانهما له اثر بالغ في امتصاص لوعة اليتم التي اكتوى بها وهو لم يبلغ الرابعة من عمره الا ان ال الصدر كانوا يترقبون له مستقبلا مشرفا.. بالاضافة الى قدرته على تجاوز تلك الصعاب.. كانت علامات الذكاء والعبقرية تثير اعجابهم رغم صغره..
    ومما يروى في هذا المجال ان الامام الصدر حينما بلغ العاشرة او الحادية عشرة من العمر وجد نفسه داخل الاسرة بين نزعتين متخالفتين تتجاذبانه نحو منحيين متغايرين في التخطيط لمستقبله.. فمن جانب كانت والدته تحثه على الدراسة في الحوزة العلمية واختبار حياة الطلبة.. وكانت هذه رغبته ايضا.. ومن جانب اخر كان عمه السيد محمد الصدر رئيس مجلس النواب في الحكومات التي سبقت ثورة 14 تموز.. يرغبه في مستقبل يضمن فيه سعادة دنياه والعيش في رفاه بعيدا عن حياة الحوزة وما يكتنفها من فقر وفاقة..
    الا انه وقف موقفا عمليا حسم به ذلك التجاذب واشعر تلك الاطراف التي تقاطعت رغباتها بمستقبله وما يطمح عليه.. فهاجر الى الحوزة العلمية في النجف الاشرف مع اخيه الاكبر اية الله اسماعيل الصدر وافراد عائلته.. وفي الفترة التي امضاها في الكاظمية درس في مدرسة منتدى النشر الابتدائية.. والعلوم الحوزوية.. وقرأ اغلب الكتب المعروفة في مناهج الحوزة بالسطوح من دون استاذ.. فيما درس بعضها على يد اخيه السيد اسماعيل.. ودرس الكثير من الروايات العالمية والكتب الماركسية وهو في المدرسة الابتدائية.. وفي النجف الاشرف درس الامام الصدر لدى ثلة من اعلام واساتذة الحوزة العلمية في النجف الاشرف.. منهم: اية الله الشيخ محمد رضا ال ياسين.. وهو خال الامام الصدر.. واية الله الشيخ عباس الرميثي.. واية الله السيد ابو القاسم الخوئي.. واية الله الشيخ محمد تقي الجواهري..
    وقد كان الفكر الإسلامي متمحورا حول الفقه (فقه الفروع) وعلم الكلام ولم ينفتح على الطرح الفلسفي للقضايا الإجتماعية والسياسية.. ولم يتخذ صورته الفلسفية الواضحة والمكتملة الا على يد الامام الصدر.. فالطرح الفلسفي عند الامام الصدر طرح يعتمد على النقد في الاساس وهذا يختلف تماما على النزعة التوفيقية.. كما تجلت في الفلسفة الإسلامية قديما.. وكما تتجلى في الاتجاه الحديث في العالم الإسلامي الذي حاول الكثير من فقهائه وعلمائه ان يوفقوا بين الافكار الوافدة والإسلام.. الا ان الامام الصدر حدد الاطار المنهجي والمعرفي لفلسفة إسلامية معاصرة حسب متطلبات المفاهيم الإسلامية كالتوحيد والبعث وخلافة الانسان.. وقد طرح انطلاقا من هذه المفاهيم مسألة علاقة الفلسفة بالتاريخ وبالمجتمع.. ومشكلة الميتافيزيقيا ونقد العقل.. كما طرح في هذا السياق مسالة العلوم الانسانية في العالم الإسلامي.. لقد فتح الامام الصدر افقا جديدا للبحث في ميدان الفلسفة خارج الرؤية الغربية.. وهذا عكس الاتجاه المحدث الذي استخدم مفاهيم الفلسفة الغربية في دراسته للتراث ولتاريخ الامة الإسلامية كما يتجلى ذلك عند كل من الطيب تيزيني والجابري وعلى امليل وعبد الله العروي وفؤاد زكريا وعبد الرحمن بدوي.. فهؤلاء المفكرون لجأوا الى مذاهب الفلسفة الغربية والماركسية والوجودية والبنيوية في دراستهم لتاريخ الامة الثقافي والسياسي.
    وقد اعاد الامام الصدر صياغة الفكر الإسلامي صياغة فلسفية جديدة في افق نقدي اقوى من فلسفة كل من الغزالي وابن رشد.. وصاغ المفاهيم حسب متطلبات الشروط الجديدة للعقلانية.. فكان واعيا بعمق بانه لا يمكن اليوم استخدام مفاهيم مثل العقل والنقل والاجتهاد والانحطاط والتقدم خارج الاطار الفلسفي.. ولا يمكن صياغة حلول للمشاكل السياسية والاقتصادية والإجتماعية والثقافية للامة بدون اجتهاد مفلسف.. ولا يمكن اتخاذ موقف نقدي من تيارات الفكر الغربي بدون فلسفة.. فحلل فلسفة كل من كاط واجوس كونت وهيجل وفيورباخ وماركس وسارتر وغيرهم تحليلا نقديا في الشكل والمضمون.. ولم يكتف بنقد محتوى مذاهب هؤلاء الفلاسفة على غرار ما فعله الغزالي في موقفه من الفلسفة اليونانية حيث انه انتقد المضمون.. ولكنه تبنى منهج هذه الفلسفة الذي كان يعتمد على المنطق الارسطي..
    فنقد الصدر للفلسفة الغربية هو نقد جذري شمل مضمون هذه الفلسفة، كما شمل منهجها الذي ارتكزت عليه.. فالامام الصدر قرا الفلسفة الغربية قراءة إسلامية.. وحللها من خلال معايير ومفاهيم الثقافة الإسلامية.. وربط الفلسفة بالواقع الإجتماعي.. فكانت فلسفته فلسفة ملتزمة باهتمامات الشعوب الإسلامية.. وحب البشرية والالتزام بقضاياها الانسانية والاخلاقية.

    المصادر
    1- اشكالية التجديد / ماجد الغرباوي.
    2- منهج الشهيد الصدر في تجديد الفكر الإسلامي / عبد الجبار الرفاعي.
    3- يم موج / محمد خاتمي.
    4- محمد باقر الصدر تكامل المشروع الفكري والحضاري / صائب عبد الحميد.
    5- الشهيد الصدر سنوات المحنة وايام الحصار / الشيخ محمد رضا النعماني.
    6- فلسفة الصدر / د.محمد عبد اللاوي.
    7- المدرسة القرآنية / محمد باقر الصدر
    الفئة: مقالات وبحوث اسلامية | أضاف: Daawa
    مشاهده: 1264 | تحميلات: 0 | الترتيب: 0.0/0
    مجموع التعليقات: 0
    الاسم *:
    Email *:
    كود *:
    تصقح القرآن الكريم
    Copyright MyCorp © 2024